تصحر يلتهم السهول.. الأزمة المائية في إيران تدخل مرحلة الخطر الوجودي
تصحر يلتهم السهول.. الأزمة المائية في إيران تدخل مرحلة الخطر الوجودي
حذرت السلطات الإيرانية من اتساع رقعة التصحر إلى مستويات تهدد حاضر البلاد ومستقبل أجيالها، بعد أن كشف مدير الموارد الطبيعية أن 421 سهلاً أصبحت معرضة لخطر الجفاف الشديد والتدهور البيئي، ويعني هذا الرقم أن أكثر من نصف سهول إيران الخصبة تواجه مستقبلاً غامضاً، في وقت يعاني فيه نحو 90 في المئة من سكان تلك المناطق من آثار مباشرة لشح المياه وتغير المناخ.
خطر يهدد موارد المياه
جاءت هذه التحذيرات خلال المؤتمر العشرين لموارد المياه الذي عقد في جامعة رازي بمحافظة كرمنشاه، حيث أعلن مدير الموارد الطبيعية حسن وحيد أن ضغوط الجفاف وتراجع الهطولات المطرية باتت تمثل خطراً وشيكاً على موارد البلاد المائية، وأوضح أن من بين 690 سهلاً معروفاً بخصوبته الزراعية على مستوى البلاد، باتت مئات المناطق في وضع حرج نتيجة جفاف السدود والمستنقعات وتحول أراض واسعة إلى مساحات خاوية وفق شبكة "رووداو ديجيتال".
كانت معظم سهول إيران تحتضن بحيرات ومستنقعات موسمية تمنح المناطق المحيطة بها تنوعاً بيئياً وتوازناً مناخياً، إلا أن هذه المسطحات اختفت هذا العام بالكامل تحت وطأة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، ويرى مختصون في البيئة أن هذا التحول المفاجئ يشير إلى تسارع آثار تغير المناخ في البلاد وتراجع قدرة منظومة المياﻩ الجوفية على التعويض، ولم يبق في كثير من هذه البحيرات ما يشير إلى تاريخها البيئي سوى القيعان الجافة وأثر الأملاح المتبقية في سطح الأرض.
انخفاض قياسي في مياه السدود
تواجه إيران في الوقت الراهن أزمة جفاف غير مسبوقة، إذ دقت الجهات المتخصصة ناقوس الخطر بشأن تراجع خطير في مخزون المياه في العاصمة طهران ومعظم المدن الكبرى، وقد سجلت السدود أحجام تخزين أدنى من المعدلات التاريخية، الأمر الذي يهدد المناطق الحضرية والعاملين في الزراعة والصناعة على حد سواء، ويؤكد الخبراء أن استمرار هذا التراجع يضع البلاد أمام احتمالات إضطرابات اقتصادية واجتماعية واسعة إذا لم تتخذ خطوات عاجلة.
مشاركة المجتمع في مواجهة الأزمة
أشار مدير الموارد الطبيعية حسن وحيد إلى أن مواجهة التدهور البيئي لا يمكن أن تتحقق من دون تعاون المجتمع المحلي، موضحاً أن سكان المناطق المتضررة والقطاع الخاص قدموا خلال السنوات الماضية استثمارات كبيرة لتنفيذ مشروعات مائية تهدف إلى حماية مصادر المياه، وبلغت قيمة هذه الإسهامات أكثر من تريليون وثمانمئة مليار تومان (نحو 1.6 مليون دولار)، وهو ما يصفه المسؤولون بأنه مؤشر على وعي متزايد لدى السكان بحجم التحديات البيئية التي تهدد حياتهم اليومية.
إدارة المياه السطحية بوصفها أولوية وطنية
يرى وحيد أن الاستفادة من مياه الفيضانات وإعادة توجيهها بصورة منظمة يمثلان خطوة أساسية للتكيف مع تغير المناخ وحماية الأراضي الزراعية من التدهور، ويؤكد أن ضعف إدارة المياه السطحية خلال السنوات الماضية كان من بين الأسباب الرئيسة في تفاقم شح المياه، إذ ضاعت كميات كبيرة من السيول الموسمية في مناطق غير صالحة للاستفادة الزراعية أو البيئية.
انعكاسات الصناعة على البيئة
لفت مدير الموارد الطبيعية إلى الآثار البيئية للصناعة، مؤكداً أن أنشطة بعض المصانع أسهمت في جفاف المستنقعات وانتشار الجسيمات الضارة في الهواء، كما أدى الضغط الصناعي على الموارد الجوفية إلى تفاقم الجفاف في مناطق واسعة، ودعا وحيد المنشآت الصناعية إلى تحمل مسؤوليتها الاجتماعية والقانونية لحماية البيئة، مبيناً أن الالتزام بهذه المسؤولية أصبح ضرورياً للحفاظ على استدامة الموارد وحماية صحة السكان.
تشريعات جديدة لتنظيم الموارد
أعلن المسؤول الإيراني أن مشروع قانون جديد لتنظيم إدارة موارد المياه قد اكتمل، وأنه في انتظار عرضه على الحكومة ثم البرلمان بعد مراجعة اللجان المختصة. ويهدف هذا التشريع إلى وضع قواعد أكثر صرامة لاستغلال المياه الجوفية، وتنظيم توزيع المياه السطحية، وضمان التزام الأنشطة الصناعية والزراعية بمعايير تحافظ على الموارد في ظل الظروف المناخية المتغيرة، ويرى مراقبون أن تطبيق مثل هذه القوانين قد يساعد في الحد من سرعة التدهور، لكنه لن يكون كافيا ما لم تترافق معه سياسات شاملة لإدارة الأراضي وإعادة تأهيل الأنظمة البيئية المتضررة.
تشير بيانات مديرية إدارة الموارد المائية إلى أن تسع عشرة محافظة من مجموع إحدى وثلاثين محافظة في إيران عانت خلال منتصف الخريف من الجفاف بسبب غياب الأمطار الموسمية، ويعد هذا المعدل الأدنى من نوعه منذ سنوات طويلة، وقد انعكس على المدن الريفية والحضرية على السواء، وتؤكد التقارير أن أي تأخير في موسم الأمطار خلال الأشهر المقبلة قد يدفع البلاد إلى مواجهة موجة عطش غير مسبوقة، مع تراجع فرص الزراعة وتزايد تكلفة المياه في بعض المناطق.
الأبعاد الاجتماعية للأزمة
تتجاوز أزمة المياه في إيران الجانب البيئي لتصل إلى حياة السكان اليومية. فالجفاف يؤثر في سبل العيش للمزارعين والرعاة، ويقلص فرص العمل في القطاعات الزراعية والصناعية، كما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء نتيجة انخفاض الإنتاج المحلي، ومع زيادة الضغط على المدن الكبرى نتيجة الهجرة من الأرياف المتضررة، يزداد خطر نشوء توترات اجتماعية واقتصادية يصعب احتواؤها على المدى البعيد.
تغير المناخ يزيد تعقيدات المشهد
تواجه إيران تحديات مناخية تشمل ارتفاع متوسط درجات الحرارة وتراجع معدلات الهطول المطري وتزايد موجات الجفاف، وهي عوامل تجعل البلاد أكثر عرضة لفقدان مواردها الطبيعية، ويشير الخبراء إلى أن تغييراً جذرياً في سياسات إدارة المياه أصبح ضرورة وطنية، وأن الاعتماد على السدود وحدها لم يعد كافياً. كما يتطلب الأمر تطوير أنظمة ذكية للتخزين والحفاظ على المياه وتحديث البنى الزراعية لتصبح أقل استهلاكاً.
تعد إيران من الدول التي تواجه أعلى مستويات الإجهاد المائي في العالم، إذ تعتمد قطاعات واسعة من اقتصادها على الزراعة التي تستهلك معظم موارد المياه العذبة، وتسببت عقود من الحفر المفرط للآبار في تراجع مخزون المياه الجوفية، في حين تسببت مشاريع التنمية الصناعية والزراعية غير المستدامة في استنزاف إضافي للموارد، وتشير تقديرات دولية إلى أن معدل الأمطار السنوي في إيران انخفض بشكل ملاحظ خلال العقود الماضية، في حين ارتفع الطلب على المياه مع ازدياد عدد السكان وتوسع المدن، ويعرف خبراء البيئة إيران بأنها من بين الدول التي تقف على خط المواجهة الأول مع آثار تغير المناخ، ما يجعل إدارتها المستدامة للموارد قضية وجودية.











